شفاء العليل شرح منار السبيل
نجاسة عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبهما
قوله: [وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبهما وجلدها نجس، ولا يطهر بالدباغ] في ظاهر المذهب لقوله تعالى رسم> حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ قرآن> رسم> والجلد جزء منها، وروى أحمد اسم> عن يحيى بن سعيد اسم> عن شعبة اسم> عن الحكم اسم> عن ابن أبي ليلى اسم> عن عبد الله بن عكيم اسم> قال: قرئ علينا كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أرض جهينة اسم> وأنا غلام شاب رسم> أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب متن_ح> رسم> قال أحمد اسم> ما أصلح إسناده .
الشرح: عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبهما نجس رأس> - على المذهب- لأن هذه الأشياء من جملة الميتة، فتكون نجسة كالميتة، لقوله تعالى رسم> حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ قرآن> رسم> وقوله تعالى رسم> قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ قرآن> رسم> والرجس النجس، ولكن يستثنى من ذلك ثلاث ميتات فإنها طاهرة وليست بنجسة، وهي:
1- السمك وغيره من حيوان البحر بدون استثناء لقوله تعالى: رسم> أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ قرآن> رسم> .
2- ميتة الآدمي رأس> لقوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> المؤمن لا ينجس متن_ح> رسم> .
3- ميتة كل ما لا نفس له سائلة، أي ما ليس له دم يسيل، كالذباب والجراد والعقرب ونحو هذا، فهذه الميتات طاهرة للأدلة السابقة.
وذهب أبو حنيفة اسم> - وهو قول في مذهب أحمد اسم> واختاره شيخ الإسلام - إلى أن عظم الميتة وقرنها وظفرها وعصبها وحافرها طاهر؛ لأن الأصل فيه الطهارة، ولا دليل على النجاسة؛ ولأن هذه الأشياء من الطيبات وليست من الخبائث، فتدخل لا أية التحليل رسم> وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ قرآن> رسم> ولأنها ليست فيها دم مسفوح، فلا وجه لتنجيسها، قال شيخ الإسلام: (إذا كان الحيوان الحساس المتحرك بالإرادة لا ينجس لكونه لا دم له سائل، فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه دم سائل؟) .
وأما جلد الميتة: هل يطهر بالدباغ أم لا؟ فقد اختلف فيه العلماء على أقوال عدة، فطالب بذلك ذيل المسألة وتشعبت طرقها، ولكل وجهته ودليله وقبل أن نذكر خلاصة الأقوال في هذه المسألة نبين أن الدباغ هو تنظيف الأذى والقذر الذي يكون في الجلد بواسطة مواد تضاف إلى الماء.
وأما أقوال العلماء في هذه المسألة فنوجز أهمها فيما يلي:
1- ذهب فريق من العلماء- وهو المذهب- إلى أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ لأن الميتة نجسة العين، ونجس العين لا يمكن أن يطهر، فروثة الحمار لو غسلت بمياه البحار ما طهرت، بخلاف النجاسة الطارئة على المحل فإنها تطهر، واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن عكيم اسم> رسم> لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب متن_ح> رسم> .
والجواب عن هذا أن يقال:
أولا: حديث عبد الله بن عكيم اسم> ضعيف كما قال الحافظ اسم> وغيره.
ثانيا: أنه قد عارضه ما هو في صحيح مسلم اسم> من حديث ابن عباس اسم> -رضي الله عنهما- قال: (تصدق على مولاة لميمونة اسم> بشاة فماتت فمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: رسم> هلا أخذتم إهابها ودبغتموه فانتفعتم به؟ متن_ح> رسم> .
فقالوا: إنها ميتة، فقال: رسم> إنما حرم أكلها متن_ح> رسم> .
ثالثا: أنه على فرض صحة حديث ابن عكيم اسم> فليس بناسخ لحديث ميمونة اسم> - كما يزعمون- لأننا لا نعلم تاريخ قصة شاة ميمونة اسم> فقد تكون قبل وفاته بشهر أو بأيام.
رابعا: أنه على فرض صحته وتأخره فإنه لا يعارض حديث ميمونة؛ لأن قوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب متن_ح> رسم> يحمل على الإهاب قبل الدبغ، وأما بعد الدبغ فإنه لا يسمى إهابا، بل يسمى جلدا كما هو معروف عند أهل اللغة، وبهذا يحصل الجمع بين الحديثين.
2- وذهب آخرون إلى أن جلود الميتة تطهر جميعها بالدباغ إلا جلد الكلب أو الخنزير، فيطهر ظاهر الجلد وباطنه ويجوز استعماله في الأشياء اليابسة والمائعة، لا فرق في ذلك بين الحيوان المأكول اللحم وبين غيره، وهذا هو مذهب الشافعي اسم> وقد استثنى جلد الخنزير لقوله تعالى عنه: رسم> فَإِنَّهُ رِجْسٌ قرآن> رسم> والرجس النجس- كما سبق- ثم قاس الكلب على الخنزير بجامع النجاسة.
3- وذهب فريق ثالث إلى أن الدباغ يطهر جلد مأكول اللحم من الحيوانات لا غير لقوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> دباغ الأديم ذكاته متن_ح> رسم> قالوا: والذكاة لا تحل إلا مأكول اللحم، فلهذا لا يطهر إلا جلودها لأنه -صلى الله عليه وسلم- شبه دباغ جلودها بذكاتها.
4- وذهب فريق رابع إلى أن جلود الميتات تطهر جميعا دون استثناء ظاهرا وباطنا، قال النووي اسم> (وهو مذهب داود وأهل الظاهر) ورجحه الشوكاني اسم> في نيل الأوطار، واحتج هؤلاء بترخيص النبي -صلى الله عليه وسلم- في الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت، وهذا الترخيص يشمل جميع الميتات.
والصواب في هذه المسألة أن جلد الميتة يطهر بالدباغ بشرط أن تكون الميتة مما تحلها الذكاة، وأما ما لا تحله الذكاة فإنه لا يطهر لقوله -صلى الله عليه وسلم- في جلود الميتات: رسم> دباغها ذكاتها متن_ح> رسم> فعبر بالذكاة، والذكاة لا تطهر إلا ما يباح أكله، قال شيخ الإسلام (ومأخذ التردد أن الدباغ هل هو كالحياة فيطهر ما كان طاهرا في الحياة، أو هو كالذكاة فيطهر ما طهر بالذكاة؟ والثاني أرجح ودليل ذلك نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن جلود السباع) أي لأنها غير مأكولة اللحم فلا يطهر جلدها بالدباغ.
مسألة>